على غرار ما نشرته «الأخبار» قبل أيام في الوثائق السعودية والإماراتية، المتعلقة بدور أبو ظبي والرياض في العراق، تظهر برقيتان دبلوماسيتان لسفيرين إماراتيين، أن دور أبو ظبي في بغداد ينصبّ على مراقبة الرياض ومساندتها في ما تعدّه «استراتيجية جديدة» للمملكة في بلاد الرافدين. أهمية هذه البرقيات، رغم تضمنّها رصداً وثرثرات دبلوماسية من قبل السفراء لمرؤوسيهم في وزارة الخارجية، أنها تفصح بوضوح دور التحالف الخليجي ضد العراق، وطبيعة سياساته، بما يصل حلقات الاستراتيجية السعودية بعضها ببعض، ولا سيما ما اتضح منها في ما نشرته «الأخبار» تحت عنوان «السعودية ليكس: كيف نخرب العراق؟»، وربطاً كذلك بالاهتمام الأميركي بالملف وهو ما تبدّى في برقيات إماراتية نشرت تحت عنوان «الإمارات ليكس: ترامب يطلب تخريب العراق بأموال السعودية».
في برقية صادرة عن سفارة الإمارات لدى الرياض، بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، تحمل توقيع القائم بالأعمال أحمد محمد بسيس الطنيجي، يرد تعليق على انعقاد أولى جلسات «مجلس التنسيق السعودي ــــ العراقي» في الرياض برئاسة وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، عن الجانب السعودي، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، عن الجانب العراقي، بحضور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي شارك في افتتاح الجلسة. تسجّل البرقية أن «سياسة المملكة تجاه العراق تغيّرت بشكل ملحوظ منذ تولي ثامر السبهان ملف العراق ولبنان، حيث اعتمد السبهان في استراتيجيته على انخراط المملكة في العراق من الباب الاقتصادي، ما يسهّل عملية إعادة بناء الثقة واستعادة بغداد من الحضن الإيراني». وبالتأكيد، فإن واشنطن راعية لاستراتيجية السبهان في العراق، وهو ما يؤكده حضور تيلرسون لافتتاح المجلس بما «يدل على دعم أميركا للتوجه السعودي في تطبيق الاستراتيجية الأميركية نحو إيران»، وفق البرقية التي تشير إلى أن واشنطن بعد تبدّل سياستها تجاه إيران عقب فترة حكم باراك أوباما، باتت تعتمد على الدور السعودي بشكل أكبر، وهو ما استفادت منه المملكة «ليكون لها دور في محاربة النفوذ الإيراني الذي أحكم سيطرته على الحكومة العراقية». وتعود البرقية في مقطع آخر، لتكشف بصراحة أكبر عن حقيقة الهدف من انعقاد «مجلس التنسيق السعودي ــــ العراقي»، مقسمة إياه إلى شقّين: سياسي واقتصادي، مشيرة في الوقت نفسه، في معرض الإشادة بدور المجلس، إلى أن «ظاهر هذا المجلس هو الشق الاقتصادي، بينما باطنه سياسي من الدرجة الأولى». ويلفت كاتب البرقية في الختام إلى أن الاستراتيجية السعودية هذه تسير «بما يتوافق مع الاستراتيجية الأميركية».
الطنيجي: الأميركيون يدعمون الاستراتيجية السعودية في العراق
في برقية ثانية، صادرة عن سفارة الإمارات لدى بغداد، بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، تحمل توقيع السفير الإماراتي لدى العراق حسن أحمد سليمان الشحي، يسهب الشحي أكثر من زملائه في الرياض، في رسم الدور السعودي في العراق، منذ زيارة وزير الخارجية عادل الجبير لبغداد في شباط/ فبراير 2017، وصولاً إلى زيارة العبادي للسعودية، ومروراً بزيارة وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي لبغداد، وغيرها من محطات. وتحت عنوان «تطور العلاقات السعودية العراقية»، تشير البرقية إلى أن ما حفل به عام 2017 من تطور مطرد في علاقات البلدين وتكثيف لتبادل الزيارات، «يجري وفق خطة ممنهجة ومدروسة» تصب في إطار الوقوف «في وجه التمدد والنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة». وتتطرق البرقية إلى قضية فتح قنصلية سعودية في النجف، ناقلة عن «مصادر مطلعة داخل أروقة وزارة الخارجية العراقية» أن «خطوات فتح قنصلية سعودية في النجف تتم على قدم وساق، وأن هذه الخطوة باتت ذات أبعاد إيجابية، وخاصة في ضوء تطور العلاقات بين بغداد والرياض. ويحظى هذا الموضوع بتشجيع ودعم قوي من القوى المؤيدة للانفتاح على دول الخليج نظراً إلى ما تشكله النجف من مركز قيادي للحوزة العلمية التي يقودها المرجع الديني الأعلى علي السيستاني».
ويعلق معدّ البرقية على هذه الأنباء بالقول «الوجود السعودي في العراق وفي عاصمة الشيعة (النجف) عمل استراتيجي مهم بكل المقاييس والاعتبارات، حيث ترتبط المحافظات الجنوبية بحدود واسعة مع المملكة، وبالتالي توجد نظرة بعيدة لدى القيادة السياسية في الرياض بأن جنوب العراق هو عمق حيوي في الأمن القومي العربي والأمن الوطني السعودي والخليجي، ونعتقد بأن هذا الحضور سيمنع أي تحركات مريبة لإثارة المشاكل في هذه المناطق». ويتابع السفير الإماراتي في سرد أسباب «قلق» طهران من النشاط السعودي: «يهدد ويتحدى النفوذ والتفرد الإيراني... هو عمل استباقي لم تقم به أي دولة في السابق من العالمين العربي والإسلامي، والسبب الثاني يكمن في أن النظام الإيراني يعتقد بأن الوجود السعودي في النجف سيؤدي إلى تعزيز قنوات التواصل مع السيستاني وغيره من القيادات الدينية العراقية، وهو أمر يثير مخاوف نظام ولاية الفقيه، والسبب الثالث يتركز في أن الوجود السعودي العربي سيقوي الاتجاهات العروبية على حساب التحشيد المذهبي الفارسي».
وهنا يشدد الدبلوماسي الإماراتي على أن «القوى السياسية الشيعية تبدو مجتمعة في الظاهر، لكنها متشرذمة ومشتتة في الباطن، ويمكن العمل على استمالة بعض القوى وتعزيز نفوذها على حساب قوى أخرى هي أقرب لإيران من غيرها». ولمواصلة هذا التوجّه، يشيد الشحي بخطوات الرياض التي تكسر ما اتسمت به السعودية على أنها «معادية للمكوّن الشيعي، وأنها لا تقف على مسافة واحدة مع جميع مكونات الشعب العراقي»، لافتاً إلى أن الرياض «تتواصل بشكل مكثف مع الحكومة العراقية ومع المكونات السياسية والدينية والإثنية داخل العراق»، في إطار «حرب طويلة» مع إيران، الحل فيها «كسب المعارك الواحدة بعد الأخرى».
لمواجهة تحدّ مستقبلي اسمه «الحشد»
في برقية القائم بأعمال سفارة الإمارات لدى الرياض، أحمد الطنيجي، تكشف الوثيقة أن السعودية تضع أمامها في المرحلة المقبلة تحدي مواجهة «الحشد الشعبي» وصعوده المتوقّع. ويرد في البرقية (بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017) أنه أمام تطور العلاقات السعودية العراقية تمثل عقبة النفوذ الإيراني في الحكومة العراقية «وتمويلها للكيانات السياسية والميليشيات العسكرية الشيعية الموالية لها». وتنقل البرقية أن الرياض تتوقع تعاظم قوة «الحشد» بعد تحرير مدينة الموصل من قبضة «داعش»، حيث سيبدأ «تعاظم قوة الحشد الشعبي عراقياً وتأثيره الكبير في الحكومة العراقية»، وهو ما يقود إلى عرقلة «سير هذا التطور في العلاقات بين البلدين (العراق والسعودية)».